اجمع المهتمون بالتاريخ على ان الموروث الاجتماعي لأي بلدٍ من بلدان الأرض، هو دليل على أصالتها ومجده كونها تمثل تراكمات من الثقافة والفنون والإبداع تتوارثها الأجيال ويفتخرون بها، بل ويطورونها،
او تنتفي الحاجة لقسم منها لتظهر الى الواقع الجديد تقاليد اخرى تواكب العصر.. ومن نفائس الموروث العراقي العباءة النسائية التي بقيت محافظة على نكهتها وأصالتها منذ بداية ظهورها حتى يومنا هذا، ولتكون رمزاً ودليلاً للمرأة العراقية، بل وصفة جمالية تتميز بها..،.
- يعترف السيد امجد علي-باحث اجتماعي- أنه لا يستطيع ان يحدد زمناً معيناً لظهور العباءة، ولكن جذورها قديمة جداً، إذ كانت المرأة ترتدي ثوباً شبيهاً بالعباءة فوق ملابسها، ذا ألوان مختلفة.
وكانت العباءة البيضاء معروفة لدى نساء المسلمين الأوائل، أما الألوان الغامقة منها فقد عرفت في المناطق الصحراوية، وان تباين الوانها جاء بسبب تباين تقاليد الشعوب، وثقافاتها وارثها وطبيعة الأجواء والأرض التي هم فيها، ولكنها في العراق تحديداً استقرت على اللون الأسود، ولتكون في بداياتها على شكل عباءتين تلبسان في آن واحد، واحدة تحاك من خيوط الصوف والثانية من قماش يمتاز بالطراوة يسمى ”حَبر“ بفتح الحاء، ولهذا سميت العباءة الثانية بـ”الحَبر“ وتلبس الاثنتان معاً من الحشمة للمرأة، وان إحداهما تلبس فوق الكتفين والثانية على الرأس، وترتدي معها في الأغلب”البوشية “.. وكان هذا النوع من العبي سائداً حتى أربعينيات القرن الماضي واندثرت فيما بعد بسبب انتشار العباءة الحالية فضلا عن ان العباءة النسائية كانت غالية الثمن وذلك لتكاليفها المرتفعة.
العباءة النسائية العراقية تختلف عن باقي انواع العباءات الاخرى وخاصة المصرية والخليجية والايرانية، وهذه الانواع الثلاثة هُن اكثر العباءات انتشاراً.. فالعباءة المصرية تعرف باسم ”الملاية“ وهي في العموم قصيرة وطريقة ارتدائها تختلف عن طريقة ارتداء العراقية، إذ يتم وضعها على الكتفين لفقرها، فيظهر ساقا المرأة منها.. اما الخليجية فهناك انواع من اهمها المسماة بـ”الاسلامية“ والتي تُلبس فوق الثياب، وهي قطعة واحدة.. وأخيراً الإيرانية المعروفة بـ”الشادور“ حيث تكون عريضة وعلى شكل قطعة واحدة ولا تحتوي على ”ردن“.. اما العباءة العراقية فتكون عريضة جداً ومن قطعتين وفيها كُم طويل، كما يجب ان يكون طولها معادلاً لطول المرأة من رأسها حتى قدميها.
من المهم الاشارة هنا أن المرأة الريفية العراقية قد استخدمت العباءة بشكل اخر يدلل على قوتها وتحملها للمصاعب، حيث تلفها على وسطها وتترك الجزء العلوي منها نحو الاسفل فتبدو وكأنها ”تنورة“ الشكل.. وهذا الشكل ترتديه في الأغلب أثناء مراسيم العزاء وخلال عملها في الحقل، ومن هنا جاء الإحساس بأنهما يوحيان بالقوة.
شهدت السنوات السابقة ظهور العديد من العبي، منها السورية المسماة بـ”المبرد“ من بعدها تأتي اليابانية المعروفة بالتترون والتي لاقت رواجاً واضحاً، وبعدها الكورية والصينية والفرنسية.. اما العباءة العراقية فانها لم تكن مرغوبة في بداياتها، ولكنها الان تنافس الصناعة الاجنبية وخاصة النوع المعروف بـ”الجرجيت“ لأن خيوطها من الانواع الجيدة، هذا فضلا عن انواع اخرى مثل الشيرمن والحرير والسوبر.
ولخياطة العبي عدة أنواع وأشكال منها يدوي الخياطة ومنها بواسطة ماكنة الخياطة ولهذا التقينا بإحدى خياطات العبي الحاجة (أم مؤيد ) فقالت أنا اعمل بخياطة العبي منذ (45 سنة) وهذا العمل استورثته من والدتي التي كانت من الخياطات الماهرات جدا بهذا المجال أي بخياطة العبي..
ومن خلال هذه الخبرة الطويلة لوالدتي تعلمت الشيء الكثير عن هذه المهنة الجميلة واضافت يمكن لنا ان نميز جودة ونوعية العباءة عند الملمس وعندما نريد ان نتكلم عن العباءة العراقية فان لها التاريخ الطويل حيث كانت ومازالت تمثل رمز الحشمة والوقار للمرأة.
كانت العباءة العراقية قديما تختلف عما عليه الآن حيث كانت لها مميزات مختلفة من حيث الخياطة فقد كانت ذات (أردن) قصيرة ومختلفة تماما.
خياطتها كانت بسيطة وبدائية من حيث نوعية الخيط حيث لم يكن هناك تركيز بعمل أي شيء لكتف العباءة خلاف ماهي علية الان .اما في الستينات والسبعينات كانت توضع زيهات ذهبية من الذهب الخالص في (أردن) العباءة على شكل أشبه بالسبحة .
ام على هي أيضا خياطة ماهرة قالت عملت في خياطة العبي لمدة ثلاثين سنة وكان الإقبال على خياطة العبي بشكل كثيف بحيث كان يوجد عندي سجل لضبط استلام وتسليم العباءة وكانت اغلب الزبونات يطلبن عمل كتف العباءة أي فيه نوع من التميز اما ( شد الورد) او (سن الفار) وتقول ام علي قد يكون بهذا الاسم نوع من الغرابة او الفكاهة لكن هذا النوع من العمل يكون بشكل جميل عند
التنفيذ وله منظر ملفت للانتباه من حيث الخطوط